رسالة الأمين العام

الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن: كركيزة من ركائز التعاون العربي الإقليمي للحفاظ على البيئة البحرية

يُشكل البحر الأحمر وخليج عدن واحداً من أكثر النظم البيئية البحرية تميزًا وقيمة في العالم، إذ يحتضن تنوعًا حيويًا لا مثيل له، ويدعم بشكل مباشر وغير مباشر سبل عيش عشرات الملايين في جميع دول الإقليم، كما يقدم فرصة كبيرة للتنمية والازدهار. ومنذ تأسيسها، في عام 1995 لعبت الهيئة دورًا محوريًا في حماية هذا التراث الطبيعي من خلال استحداث سياسات قائمة على المنهج العلمي، وبناء القدرات، وتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء.

ويعزز من دور الهيئة شعور دولها الأعضاء بالمسؤولية المشتركة، اذ أن حدوث أي تدهور في البيئة البحرية في احدى الدول الاعضاء لا قدر الله لن يتوقف عند الحدود السياسية لتلك الدولة، مما يؤكد على أهمية الدور الإقليمي للهيئة في تناغم ومواءمة سياسات التنمية على مستوى الإقليم.

وخلال مسيرتها الطويلة وضعت الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن ونفذت استراتيجيات إقليمية لمعالجة العديد من القضايا الحرجة من أهمها التلوث البحري المتزايد، والصيد الجائر، وتدهور الموائل الطبيعية، والتأقلم مع تأثيرات تغير المناخ. وتسترشد برامجها – التي تتراوح من تطوير واستحداث البروتوكولات الإقليمية المختلفة للحماية على البيئة البحرية وبناء القدرات في مجال التأهب للانسكابات النفطية إلى انشاء شبكة من المحميات البحرية وغيرها – برؤية مشتركة خلاصتها: الاستغلال الرشيد والمستدام للموارد البحرية لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية.

وفي مطلع هذا العام جاء دخول اعلان البحر الأحمر وخليج عدن كمناطق بحرية خاصة بموجب الملحقين الأول والخامس من اتفاقية ماربول كأحد أبرز إنجازات الهيئة. اذ دخل هذا الإعلان حيز التنفيذ اعتبارً من الأول من يناير 2025م بفضل الجهود المتضافرة للهيئة ودولها الأعضاء، كخطوةً هامةً نحو حماية المياه البحرية في الإقليم من التلوث الناجم عن الزيادة المضطردة في حركة النقل البحري، كما يمثل اعترافًا من المجتمع الدولي بالحساسية البيئية للمنطقة، وتعبيراً عن التزام دول الإقليم باستعدادها لتطبيق الإجراءات اللازمة لحمايتها والحفاظ عليها. كما يُلزم السفن العابرة للمنطقة بالالتزام بمعايير تصريف أكثر صرامة، مما يقلل من مخاطر التلوث ويساهم في أنظمة بيئية بحرية أكثر صحة.

إضافة إلى ما سبق، أود هنا التأكيد إلى أن دور الهيئة يتجاوز بكثير مجرد الحفاظ على البيئة البحرية. اذ انها كمنظمة حكومية تضم في عضويتها الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية المطلة على هذا الجسم المائي الهام، فإنها تمثل منصةً لا نظير لها على مستوى الإقليم تلتقي فيها دولٌ لها اهداف سياسية واقتصادية متكاملة بروح التعاون والتكامل والاخاء. ففي منطقةٍ تغلب عليها العديد من التوترات الجيوسياسية، تُجسّد الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن رغبة دولها الأعضاء في التضامن والعمل الإقليمي المشترك.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن التحديات التي تواجه بيئتنا البحرية تعتبر معقدة ومتشابكة. إنها لا تتطلب بناء القدرات وإقرار السياسات الإقليمية الرشيدة فحسب، بل تتطلب أيضًا إرادة سياسية وعملًا جماعيًا مستمراً. وستظل الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن ملتزمةً بدورها في تناغم هذه الجهود – وتعزيز الوحدة الإقليمية، وضمان استمرار ازدهار البحر الأحمر وخليج عدن كأحد أهم النظم البيئية البحرية في هذا العالم إن لم يكن أهمها على الاطلاق.

أ. د. زياد أبوغراره